مقالات الرأي

الأزمة الليبية وفشل الأمم المتحدة

طيلة تاريخ الأزمة الليبية التي تراوح مكانها، لم تستطع الأمم المتحدة ومبعوثوها السبعة، إنتاج حل سياسي في ليبيا يمكن البناء عليه، بل كانت الأمم المتحدة تتعاطى مع هذه الأزمة وفقاً لرؤية الخمسة الكبار في مجلس الأمن، الذين لم يتوافقوا على حل في ليبيا إلى اليوم على الرغم من مضي أكثر من عقد من الزمن على هذه الأزمة، ما جعل الأزمة الليبية أزمة دولية بشخوص ليبية، أكثر منها أزمة ليبية خالصة، والدليل هو الخلاف في مجلس الأمن حتى على تسمية مبعوث دولي في ليبيا، ما يعكس حجم حالة الخلاف هذه. وهذا بدوره انعكس سلباً على أداء البعثة الأممية وعجزها عن إنتاج حل.
ولذا فقد غدت ليبيا تودع مبعوثاً لتستقبل آخر ولو بتسمية مختلفة ومهمة واحدة، فالسيدة ستيفاني ويليامز جاءت تسميتها «مستشارة» للأمين العام بعد أن فشل مجلس الأمن في التوافق على تسميتها مبعوثة بديلاً لغسان سلامة، بسبب رفض روسي، رغم أن ستيفاني ويليامز كانت تشغل وظيفة نائب المبعوث غسان سلامة.
لقد رحل آخر مبعوث دولي من دون أدنى تغيير أو تعديل أو استبدال في أعضاء البعثة الآخرين، الذين تلاحق بعضهم شبهات بالانتماء أو الانحياز والتوجيه الخاطئ بتقارير منحازة تبنتها البعثة، وهذا جعل عمل البعثة يواجه التشكيك والغضب من الأطراف السياسية، بل وحتى الشارع الليبي الذي في أغلبه لا يثق بما يصدر عن مجلس الأمن، خصوصاً أن إسقاط الدولة الليبية في فبراير (شباط) 2011 كان بقرار من مجلس الأمن، الذي غادر ليبيا وتركها في حالة فوضى، ومرتعاً للسلاح والميليشيات العابرة للحدود، من دون أدنى مشاركة في جمع السلاح وكبح هذه الميليشيات، حتى إن «داعش» استطاع أن يعلن ولايات له في ليبيا، قبل أن ينهض الجيش الليبي من تحت الرماد ليدحر «داعش» وإخوته.
فحلف الأطلسي بتفويض من مجلس الأمن مسؤول عن الفوضى في ليبيا وتوظيف الصراع، فبعد أن أسقط الأطلسي الدولة الليبية وتركها وذهب، أصبحت ليبيا أرضاً مشاعاً لجميع التنظيمات الإرهابية والإجرامية والعصابات العابرة للحدود. ولهذا تُعتبر استعادة الاستقرار والأمن إلى ليبيا مسؤولية أخلاقية على الأمم المتحدة ومجلس الأمن وحلف الأطلسي بالذات، لأنه المتسبب في معاناة الليبيين إلى هذا اليوم.
بعد رحيل المستشارة ستيفاني ويليامز، التي فشلت في تحقيق أي توافق بين الأطراف الليبية، هل سيتفق مجلس الأمن المنقسم على رؤية حل موحدة في ليبيا، على المبعوث الجديد؟
المبعوث الدولي الوحيد الذي كان واقعياً في تعاطيه هو غسان سلامة، لكن الواقعية التي تحلَّى بها لا تكفي وحدها لتفكيك الأزمة الليبية.
قد تكون بداية الحل لو كانت الوساطة من قبل الاتحاد الأفريقي والمحيطين العربي والإقليمي بعيداً عن الصراعات الإقليمية على الكعكة الليبية، في مقابل صراع أوروبي (إيطالي بريطاني فرنسي) ممثلاً في شركات إيني وبرتش بتروليوم وتوتال.
التدخل الدولي في ليبيا لم يكن يوماً لصالح الليبيين، ولهذا لدى الشارع الليبي قناعة في غالبيته بأنَّ التدخل الخارجي سيفسد أي توافق، فالليبيون يتحاربون، ولكنهم في النهاية يمكنهم الجلوس للتفاهم، إذا ما تُرك الأمر ليبياً خالصاً، وتبقى الأمم المتحدة مجرد وسيط تتبنى ما يقوله الليبيون.

نقلًا عن الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى