مقالات الرأي

الإخوان «المسلمون» ودول الخليج العربي: أهداف استراتيجية ثابتة

د. عبدالحق الصنايبي

تأسست جماعة الإخوان المسلمين سنة 1928م على يد مرشدها حسن البنا في ظل بيئة استراتيجية معقدة أعقبت سقوط الخلافة العثمانية سنة 1924م على يد مصطفى كمال أتاتورك وهو ما خلق ردة فعل عكسية في العالم العربي والإسلامي الذي اعتاد على وجود دولة الخلافة رغم الاستقلالية السياسية لمعظم الدول عن مركز الخلافة في الأستانة.

ورغم أن مصر ظلت لعقود العاصمة الروحية لتيارات الإسلام السياسي ومركز الضبط والربط بين جماعة الإخوان «المسلمين» وباقي فروعها في العالم، إلا أنها كانت تطمح إلى الوصول إلى السلطة في العديد من الدول العربية وهو ما كاد أن يتأتى لها في اليمن السعيد سنة 1948م بعد أن قاد المركز العام للإخوان المسلمين انقلابا دمويا على الإمام يحيى ونجحوا في تنصيب عبد الله الوزير إمام جديدا وصياغة دستور جديد لليمن قبل أن يقوم أحد أبناء الإمام يحيى بقيادة انقلاب معاكس أنهى أحلام قيام دولة إخوانية في جنوب شبه الجزية العربية.

في هذا السياق، تسببت الطموحات التمكينية للإخوان في صدام مباشر مع السراي انتهى بحل التنظيم بتاريخ 08 ديسمبر 1948م، ليعقبه اصطدام أشد مع نظام جمال عبد الناصر انتهى بمحاولة اغتياله سنة 1954م فيما عرف إعلامية بحادثة المنشية والذي أدخل الإخوان في أزمة تنظيمية خصوصا بعد إعدام ستة من أبرز قياداتها وعلى رأسهم رئيس التنظيم الخاص يوسف طلعت وابراهيم الطيب، وهنداوي دوير العقل المدبر لمحاولة الاغتيال وأيضا المنفذ محمود عبد اللطيف بالإضافة إلى كل محمد فرغلي وعبدالقادر عودة.

على إثر ذلك، دفعت «المحنة» عدد كبير من الإخوان إلى الهروب نحو بلدان الخليج العربي حيث وجدوا المناخ ملائما لنشر أفكارهم المسمومة وإيديولوجيتهم الخبيثة وسط شعوب المنطقة ونجحوا في اختراق المربعات المقربة للسلطة وهو ما جعل أحلام «الدولة الإخوانية» تعود لتدغدغ مشاعرهم من جديد في الوقت الذي ظل فيه قسم كبير من الإخوان يلعقون جراحهم في سجون الدولة المصرية.

واستنادًا إلى هذا السرد التاريخي الموجز الذي يعكس البنية السلوكية للتنظيم الإخواني ويؤكد تمسك أتباع حسن البنا بحلم إقامة «الدولة الإخوانية»، يمكن القول بأن مجموعة من الشروط الذاتية والموضوعية ساهمت في ركوب الإخوان موجة ما اصطلح عليه بـ «الربيع العربي» والوصول إلى السلطة في كل من مصر وتونس ونسبيا في المغرب رغم أن هامش سيطرتهم على مفاصل الدولة في هذه البلدان ظل نسبيا حيث سقطوا في مصر سقوطا مدويا وفشلوا في إخضاع تونس لأجندتهم السياسية كما ظلوا في المغرب على هامش صناعة القرار السياسي في ظل قوة وتجذر المؤسسة الملكية في اللا شعور الجماعي للمغاربة وضعفهم في تقديم إجابات واقعية للمطالب الاقتصادية والاجتماعية للشعب المغربي وهو ما يجعلنا نتوقع سقوطهم في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة.

أمام هذا الواقع، ظل الخليج العربي لعقود، وخاصة الكويت، الرئة التي يتنفس منها الإخوان والخزان المالي الذي يمول التنظيمات الفرعية للتنظيم الدولي في العالم وهو ما جعلهم يستميتون في محاولة إخضاع هذه الدول للأجندة الإخوانية بعدما كانوا يقدمون أنفسهم كجماعة دعوية وجمعية إصلاحية ليست لها أية أطماع سياسية في المنطقة.

في هذا الصدد، يرى «إخوان الشتات» بأن استمرارهم لمدة طويلة «تائهين في الأرض» لا يتناسب مع طموحاتهم السياسية، وبذلك انخرطوا في تنزيل أجندات قوى إقليمية ودولية لإعادة رسم خارطة الشرق الأوسط الجديد على أمل الحصول على نصيب من «كعكة هيلاري كلينتون» مع التركيز على دول الإمارات والسعودية وقطر لاعتبارات دينية وأخرى مادية.

من هذا المنطلق، وضع أيتام السلطان عبد الحميد الثاني إخضاع المملكة العربية السعودية، كمركز ثقل ديني للعالمين العربي والإسلامي، هدفا استراتيجيا ثابتا كمقدمة لفرض وصايتهم الدينية على العالم الإسلامي السني من خلال وضع اليد على الحرمين الشريفين وهو ما يفسر الحروب الإعلامية الشرسة التي خاضها الإخوان حولة مسألة تسييس الحج وتدويل الحرمين.

في نفس السياق، يسيل لعاب التنظيم الإرهابي لإخضاع دولة الإمارات العربية المتحدة الغنية بثرواتها النفطية والقوية بصناديقها السيادية والمتقدمة اقتصاديا وتكنولوجيا وخدماتيا وهو ما دفعهم إلى التحالف مع بعض أشباه المعارضين الذين غاصت بهم أزقة إسطنبول من أجل مهاجمة النظام السياسي في الإمارات متوهمين بأن الضغط على أبو ظبي لتبني آليات الممارسة الديمقراطية سيمكنهم، بسهولة، من الوصول إلى قمة هرم السلطة في بلاد زايد، على اعتبار أنهم الكيان السياسي الوحيد الذي يمتلك تنظيما حديديا في دولة ارتضى شعبها تعاقدا سياسيا يتوافق مع البيئة الاستراتيجية الإماراتية وساهم في وصول هذا البلد الخليجي إلى مستويات قياسية من التقدم والرخاء والرفاهية جعل منه نموذجا سياسيا ناجحا ومنتوجا إماراتيا خالصا.

على الجانب الآخر، ورغم أن دولة قطر ظلت لسنوات الراعي الرسمي للتنظيم الإخواني وفروعه في العالم إلا أن مجموعة من الشواهد تقطع بأن الدوحة تبقى هي الأخرى هدفا استراتيجيا ثابتا للجماعة وهو ما أكدته مجموعة من الشهادات وعلى رأسها، على سبيل المثال لا الحصر، شهادة السفير الروسي السابق في الدوحة فلاديمير تيتورينكو الذي فضح الأجندة الإخوانية في قطر، حيث صرح في مقابلة له على قناة روسيا اليوم بأن الإخوان يسعون للإطاحة بالنظام القطري واستشهد بحديث دار بينه وبين القطب الإخواني يوسف القرضاوي الذي وصفه السفير الروسي بأنه «مُوَجِّه الأوامر للقصري الأميري» في قطر، حيث سرد رد القرضاوي على سؤاله حول النظام القطري باعتباره، هو الآخر، غير ديمقراطي فكان جواب القرضاوي «دوره سيأتي أيضا».

إن الحلم الإخواني بوضع اليد على دول الخليج الغنية (الإمارات، السعودية، قطر والكويت) لا يزال يدغدغ مشاعر القيادات الإخوانية والتي ترى أن وضع اليد على منطقة الخليج العربي سيحقق التوازن الجيو ستراتيجي الذي يطمح الديمقراطيين لتنزيله من خلال شرق أوسط جديد تتحكم فيه ثلاثة قوى إقليمية: إيران كممثلة للعالم الإسلامي الشيعي وتركيا (أو الإخوان أو هما معا) كممثلة للعالم الإسلام السني وإسرائيل كدولة يهودية والضلع المُكمِّل للمثلث الدي يقتسم مناطق التأثير في المنطقة.

أمام هذه التحديات تبقى دول العربية بشكل عام ودول الخليج العربي بشكل خاص مطالبة بالاستمرار في فضح الأجندات الإخوانية داخليا لتفادي تشكل بؤر محلية نائمة وقادرة على إعادة النشاط والانتشار إذا ما توفرت الشروط الملائمة لذلك، وأيضا على مستوى الخطوط الخلفية التي يستغلها الإخوان لتوجيه سمومهم وأفكارهم نحو دول الخليج مع مواصل استراتيجية الاختراق الإعلامي التي بدأت تعطي نتائجها في أفق تحقيق الهدف الاستراتيجي المتمثل في القضاء على البيئة المنتجة والمصدرة للفكر الإخواني المتطرف.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى