مقالات الرأي

الإمارات.. عندما يسود الاستقرار

بقدر ما يبهرك ما يحدث في دولة الإمارات أو ما تقوم به قيادتها من مبادرات تصب في المصلحة الإنسانية جمعاء، بقدر ما تترسخ لديك قناعة بأن هذه الدولة التي تستضيف على أرضها ما يزيد على 200 جنسية من مختلف الديانات والطوائف، يجعل منها أن تكون إحدى أهم العجائب في العالم، بل ومعجزة.

ملفت ذلك التقرير الذي بثته شبكة «سي إن إن» العالمية، قبل أيام، عن مبادرة حضارية جديدة وهي: «DubaiCollection» وما يعني ذلك من دلالات حول الانفتاح على جميع ثقافات دول العالم وتعزيز الفهم الإنساني الجماعي عن منطقة الشرق الأوسط التي لا يعرفها الناس، إلا كونها واحدة من أخطر مناطق في العالم من حيث الحروب والأزمات والكوارث.

ببساطة أن ما تقدم في الفقرتين يختصر خصوصية دولة الإمارات في هذه المنطقة منذ تأسيسها إلى اليوم. وهي أن استتباب الأمن والعمل على توفير الاستقرار يسبق كل شيء. فهذه حقيقة تتضح لكل من يزور هذه الدولة ويلاحظ ما يتم على أرضها ويقارن مع ما يتم لدى الآخرين.

إمارة دبي التي تستعد لاستضافة واحد من أكبر الفعاليات العالمية، إكسبو 2020 دبي، تعيش حالة من الانتعاش الاقتصادي وتعلن عن تشغيل فنادقها بنسبة 100% وتزدحم الأماكن التجارية والسياحية بالقادمين إليها في حين لا يمكن لأحد أن ينكر أنها واحدة من مدن العالم التي تأثرت بجائحة فيروس كورونا، إلا أن ما أضفى لهذه الدولة هذه القيمة وهذا التميز عن الآخرين هو الاهتمام بالمفهوم الشامل للاستقرار والأمن والذي يشمل في طرحنا هنا: الأمن الصحي باعتباره هو الأولوية في هذا الوقت، والأمن الاقتصادي أو الاجتماعي الذي يحقق للإنسان الفهم المشترك، والفكري المتعلق بالتعايش والتسامح وليس ذلك المفهوم التقليدي للأمن العسكري.

لقد تداخلت العديد من العوامل والأسباب في إنتاج عامل ظاهرة الإبهار لدولة الإمارات على مدى الخمسين عاماً الماضية بإرساء دولة القانون وعدم التسامح مع من يحاول المساس بالاستقرار.

سيلاحظ كل من سيأتي إلى الإمارات خلال شهر أكتوبر المقبل من مختلف بقاع الأرض شيئاً مختلفاً تماماً عن الصورة النمطية التي تكونت لديه عن المنطقة، ليس بالدعاية الإعلامية التي تنقل الصورة عن تطور الإمارات ولكن في القيمة الحضارية لشعبها من حيث تقبل الآخر والتعايش معه إلى أن يصل في أنه شعب متذوق للفنون والثقافة بما فيها ثقافات المختلفين معه حتى في الديانات.

إن خبر شبكة (سي إن إن) يعيدنا بالذاكرة إلى ما واجهته منطقتنا على مدى عقدين من الزمن. فخلال العقد الأول من 2001 إلى 2011 انتقلنا من الحرب على الإرهاب في أفغانستان والمناطق المحيطة بهذه الدولة العريقة في ثقافتها، إلى الحرب على العراق وهي دولة غنية عن التعريف في ثرواتها الإنسانية والثقافية والاقتصادية.

أما العقد الثاني فجاءنا ما يعرف بـ «الربيع العربي» السيئ السمعة وما تخلله من تنظيمات أخطرها «داعش» وساهم بدرجة كبيرة في تدمير ما بقي من الكنوز والثروات حتى اعتقد الرأي العام العالمي أن أهل هذه المنطقة لا يقدرون الفن والثقافة فجاءت مبادرات دولة الإمارات، آخرها في دبي، لتعيد إلى هذه المنطقة سمعتها وتاريخها، فالعاصمة أبوظبي تستضيف عدداً من المتاحف العالمية وغيرها من الفنون التي لها علاقة بالثقافة وتقدم صورة حضارية للعالم عن منطقتنا.

ما أريد قوله إنه من العبث الحديث عن أي مشروع تنموي أو حضاري دون تقديم الاستقرار والأمن الاجتماعي والدليل أن التميز الإماراتي منطلق من هذا العامل. كما أن الحالة الانتقالية التي تعيشها مصر حالياً في النمو تأتي بعد تحقيق الاستقرار. إن انعدام الأمن والاستقرار كفيل بأن يدمر كل الحضارات والفنون بجانب الإنسان والإرث الثقافي، ولك أن تقيس ذلك على الدول التي تعاني عدم الاستقرار لفهم النتيجة.

محمد خلفان الصوافي

نشر في جريدة «البيان» الإماراتية

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى