مقالات الرأي

الحمد لله على نعمة الجيش

هي خير بداية على الدوام هي البدء بحمد الله على نعمته التي أنعم بها على الشعب المصرى، وهو أن الله قد وهب لمصر جيشًا قويًا هو خير أجناد الأرض، كما ذكرها أشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم بقوله: (إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا بها جندا كثيفا فذلك الجند خير أجناد الأرض ، قال أبو بكر لم يارسول الله؟ قال لأنهم و أزواجهم فى رباط إلى يوم القيامة ).

إن غياب القوات المسلحة النظامية، فى أى بلد من بلدان العالم، يتعمق الشعور بذلك على أنه لا أمن ولا أمان ولا استقرار، بل تغيب العدالة على مستوى الدولة ويتعمق فيها الفقر، وتعجز فيها عجلة التنمية والبناء وتفتقد للسياسات الداخلية والخارجية، ويصبح كل فرد مجرد عبء على الدولة، بعد أن غابت التنمية وعدم الشعور بالأمن والأمان، فيكون ذلك أحد أسباب الهجرة الشرعية أو حتى غير الشرعية فى البلدان التى تفتقد جيشًا وطنيًا قويًا، ولعل من الظاهر على الساحة السياسية الدولية الآن، من سيطرة لطلبة الشريعة على أفغانستان المعروفة إعلامياً بحركة طالبان، هذا يرجع إلى عدم وجود جيش وطنى قوى يمثل جزءًا مهمًا من الشعب الأفغاني، بعد أن ظلت أفغانستان مستعمرة أمريكية على ما يقرب من عشرين عاماً، بحجة القضاء على جماعة طالبان التي تأوي تنظيم القاعدة وزعيمها أسامة بن لادن المتورط فى أحداث ١١سبتمر عام ٢٠٠١م، على خلفية قيامه بتدمير برجى التجارة العالمى والاعتداء على مقر قيادة البنتاغون رمز القوة العسكرية الأمريكية، وأن السقوط المبكر لأي دولة فى العالم هو عدم وجود جيش وطنى قوى لها، فكان الهروب الكبير لمجموعة من الشعب الأفغاني وحتى رئيس الدولة نفسه “أشرف غني” هرب ونفد بجلده إلى دولة طاجيكستان المجاورة بعد سيطرة طالبان على كابول تحت غطاء القوات الأمريكية فى أفغانستان، فوجدت أمريكا أن هناك أمرًا واقعًا ومصالح سياسية لها، فى منطقة بحر قزوين والضغوط على دول الجوار لافغانستان، مثل روسيا الاتحادية والصين وحتى إيران بتصدير لهم القلاقل عن طريق هذه الجماعة التى لا تعرف إلا السلاح للطريق فى التفاهم، وهذا هو طبيعة الحكم فيها فوجدت أمريكا العدو القوى خيراً لها من الحليف الضعيف، الذى ينفذ سياستها فى هذه المنطقة، فكان قرار جون بايدن بسحب القوات الأمريكية من أفغانستان وتسليمها إلى جماعة طالبان حتى تواجه أفغانستان مصيرها الأسود المحترم.

إن الجيش المصرى قبل كل شىء، هو لصد العدوان على الوطن والشعوب العربية، وكان الخراب العربى المعروف بثورات الربيع العربى، فى تونس ومصر والعراق وسوريا وليبيا واليمن، هو الهدف منه عدم الاستقرار إقليميا، وتسليم هذه الدول برعاية دولية لجماعة الإسلام السياسي، مثل ما سلمت أمريكا أفغانستان لجماعة طالبان، لأن هدف أمريكا الأول مصالحها حتى لو قامت على رفات الشعوب، فقد استطاعت جماعة الإسلام السياسى فى هذه الدول، أن تخدم المخطط الدولى فى تشريد شعوب هذه الدول، وتفكيك جيوشها والدعوى لكراهية حكامها، وإقناع شعوبها أنهم يجاهدون فى ظل قضية عادلة، فكان سلاحهم التظاهر والكلمات وكان فكرهم الدعاية بالشائعات الكاذبة وغسيل المخ للمنقادين الجهلاء من شعوب هذه الدول، فكانت نتيجة هذه الثورات انهيار اقتصاد الدول فى سوريا والعراق وليبيا واليمن، ثم نشر الفقر والأمراض والتخلف، وانهيار البنية التحتية، ثم الهروب الجماعي لشعوب ثورات الخراب العربي، وأصبحوا لاجئين مشردين مفتقدين نعمة الأمن والأمان فى الدول الأخرى منتظرين من يعطف عليهم بكسرة خبز أو كوب ماء نظيف، بعدما كانوا أسيادًا ينعمون بنعمة الاستقرار السياسى والاقتصادى فى بلادهم، أصبحوا عبيدًا مشردين ونتائج هذا الخراب لم تعود الحياة كما كانت عليه قبل قدوم هذا الخراب العربى، بل أصبحت مطمعا لجيوش دول كبرى أخرى لسرقة خيراتها التاريخية والمادية، وأصبحت أراضيها مسرح عمليات عسكرية لتجريب سلاح الدول الكبرى، لأن دول الخراب العربى فقدت جيوشها فكان هذا حالها، من التدمير والتشريد والتقسيم.

إن الجيش المصرى هو قلب الوطن النابض، لأنه هو مستقبل البلاد الذى يمتلك قيادات عسكرية وطنية عظيمة، تبذل الجهد والعرق والتضحية والفداء من أجل وطن عزيز غالى، فقد صقلت وتنشئت البيئة العسكرية لهذه القيادات، سمات ومهارات القيادة الناجحة لديهم، وتتجلى هذه الاتجاهات والتدابير العسكرية، فى تعريف القادة العسكريين، الذين تتجلى فيهم أعظم الانتماء والوطنية، لقد نجى الله مصر من أكبر مؤامرة فى تاريخها وهى أحداث يناير الأسود عام ٢٠٠١، فقد وقف الجيش المصرى ضد هذا التخريب ووقف وتصدى ضد أى أيد آثمة تريد النيل من مقدرات الشعب، فقد نجح الجيش فى حماية الوطن وتحقيق الدولة لسياستها، وقد استخدم المخطط القذر جماعة الإخوان غير المسلمين، لتحقيق حلم دول دولية وإقليمية تريد مصر مثل سوريا وليبيا واليمن، ولكن الجيش المصرى له دور مهم فى تاريخ حماية الدولة المصرية والدول العربية، فهو دائما يسعى للمصلحة الوطنية ووحدة وسلامة الأراضى المصرية، فهو القوة التي يتحقق من أجلها وحدة الأمة العربية، فهو كان الداعم الأساسى فى الدفاع عن الأرض الفلسطينية، التي تعتبر قضية عالمية أولى، فقد ناضل ضد قوات جيش الاحتلال الإسرائيلى عندما شارك فى حرب فلسطين عام ١٩٤٨م، حتى يستعد من استعادة كامل أراضيه وترد قوة مغتصبة بغيضة، وإقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، فقد خاض الجيش المصرى حروب عديدة، بداية من العدوان الثلاثى بقيادة بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على مدينة بورسعيد الباسلة عام ١٩٥٦م، وبعدها حرب ١٩٦٧،ثم أخيرًا نصر أكتوبر العظيم عام ١٩٧٣، ثم بعد ذلك مرحلة السلام والنهضة الاقتصادية من خلال تحول نهج الدولة من جمود وفكر اقتصاد اشتراكى إلى تحول فكر اقتصادى منفتح على العالم، إنها قواتنا المسلحة التى تقوم على الحب والإيمان والوطنية النبيلة للتضحية والعمل، من أجل استقرار ورفعة شأن الوطن وتحقيق مستقبل مشرق ظافر له من خلال أهداف قيم وأخلاق ومثل عليا تعتنقها المبادئ العسكرية التى يتمسك بها الجيش المصرى، وهذا سلوك نابع من الترابط والإخلاص بين قيادات ضباط وضباط صف وجنود القوات المسلحة الذين يكونون صفاً واحدا منيعاً للدفاع عن قداسة الوطن، إن قوة الجيش المصرى هى حماية كبرى للأمن القومى، ثم هو حامى حمى دولة المؤسسات التى تحترم القانون.

إن قوة الجيش المصرى هى خير رادع ضد أى عدوان ينال من الأرض المصرية، لأن دولة بلا جيش قوى كالجسد بلا روح، الجيش القوى هو روح البلاد، فى ظل جيش قوى يعم العمار والتقدم والازدهار والتنمية والرخاء فى الدولة، فتمارس الدولة سلطتها العامة بحرية كاملة في ظل مؤسسة عسكرية وطنية عظيمة تحافظ على الأمن والسلام الإجتماعى للدولة المصرية، وأهيب بشعب مصر العظيم وكل مؤسسات الدولة الصحفية والإعلامية ومؤسسات المجتمع المدنى والأهلى، الوقوف بجانب الدولة ومؤسسة الجيش والشرطة وعدم النقد فى خطط هذه المؤسسات حماية لظروف الدولة والقضاء على الإرهاب فيجب على الجميع أن يتفق على هذا التوافق، الذى يأتى من منطلق تاريخ عظيم وطويل لهذه المؤسسات فى الدفاع عن الدولة المصرية وهذا الوقوف هو من واقع منطلق مسئولية الجيش والشرطة الوطنية، حتى تتحقق المواءمة بين مصلحة وأمن وسلامة الوطن فى ظل متغيرات وظروف دولية يشهدها العالم والذي تتربص بكيان الدولة المصرية وأمن وسلامة واستقرار الوطن وسلامة المواطن المصرى فى نفسه.

وأختتم مقالى هذا بآيات قرآنية من كتاب الله الكريم الذى تحث على أهمية الأمن والأمان فى مصر والدعوى لها “فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ” (يوسف 99 )، “وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَ أَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ” (يونس 87).

د. نصر محمد غباشي

نشر في جريدة الأهرام

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى