مقالات الرأي

الشيخ زايد حكيم العرب.. عاشق مصر

لواء. د. محمد قشقوش

اُطلق عليه حكيم العرب، كما عرفه المصريون بعاشق مصرفبادلوه حبا بحب‪،‬ فهو حكيم العرب لأنه صاحب اول اتحاد عربى ناجح بعد محاولات وحدوية عربية لم يكتب لها النجاح بسبب عدم وضوح تقاسم السلطة والثروة، وهو ما راعاه الشيخ زايد عند دراسته لنظم الفيدرالية والكونفيدرالية ليختار النظام الفيدرالى الامريكى مع بصمة إماراتية خاصة تحدد تقاسم السلطة والثروة بين الإمارات السبع التى شكلت الاتحاد وهى ابو ظبى آل نهيان ودبى آل مكتوم والشارقة آل القاسمى وعجمان آل النعيمى والفجيرة آل الشرقى وأم القيوين آل المعلا حيث تأسس الاتحاد رسميا فى 2ديسمبر 1971 واكتمل بانضمام رأس الخيمة آل القاسمى فى 10فبراير 1972 .

وهكذا تحقق حلم الشيخ زايد بقناعاته الثلاث، الاولى ان الاتحاد قوة والتفرق ضعف، حيث كان دائم التدليل على ذلك بفترة الاستعمار البريطانى ومن قبله العثمانى مع استمرار التهديد الفارسى الإيرانى لدول وامارات الخليج العربى. والثانية ان الثروة يحب ان تعود على الشعب من خلال خطة تنمية شاملة مع اولوية للتعليم والصحة. والثالثة ان ثروة النفط لن تدوم الى الابد وعلينا ان نستغل تلك الثروة الحالية للتأسيس لمجالات اخرى مستقبلية بتوطين التكنولوجيا، وهو ما أتى اُكله لاحقا مثل الاتصالات والفضاء والموانى البحرية والجوية والنقل الجوى(كارجو) والأخير كمثال تحتل فيه الدولة المركزالرابع عالميا، بالإضافة إلى التصنيع العسكرى.

كانت الفرصة مواتية للشيخ زايد فى صدر شبابه فى الثامنة والعشرين ليطبق نظريته السياسية والاقتصادية والإنسانية عندما عُيٍن حاكما محليا لمدينة العين فوحد مكوناتها الثلاثة وأرسى البُنى التحتية مؤسسا لنهضة اقتصادية، وأنشأ المدرسة النهيانية، والمشفى المتعدد مع الزراعة والأسيجة الشجرية والنخيل ليتغير وجه المكان الصحراوى القاحل الى واحة خضراء ومنفذ حدودى الى سلطنة عمان المجاورة فى إطار التنمية الشاملة. كان نجاحه فى مدينه العين سببا فى استدعائه ليكون نائبا لأخيه الاكبر الشيخ شخبوط حاكم ابو ظبى كبرى امارات الاتحاد لاحقا، حيث حقق نجاحا مماثلا على مستوى الإمارة كلها ليختاره مجلس العائلة حاكما للإمارة عام 1965، وهو فى الثامنة والأربعين حيث خطط لتوظيف عوائد النفط الجديدة التى بدأت فى التراكم مع بداية ستينيات القرن الماضى لبناء نهضة وتنمية شاملة، ولكنه كان متخوفا من المحدودية البشرية الديموجرافية كأحد اهم مكونات ما يعرف فى الأدبيات الإستراتيجية (بالقوى الشاملة للدولة) رغم انه اكبر الامارات السبع.

كان ذلك سببا إضافيا للتفكير فى الوحدة. ولكنه كان قلِقا لأن كل التجارب الوحدوية العربية وأهمها المصرية السورية لم يكتب لها النجاح، لانها كانت نتاج فوران قومى مهم، لكنها ما لبثت ان اصطدمت بخلافات تقاسم السلطة والثروة وهو ما راعاه الشيخ زايد جيدا فبالنسبة للسلطة سيكون كل حاكم إمارة هو نائب رئيس الدولة حاكم امارته، عدا دبى فسيكون بالإضافة الى ذلك رئيس مجلس الوزراء ولحاكم كل امارة ولى عهده وولى عهد ابو ظبى هو ولى عهد الدولة، وأخذ من النظام الفيدرالى الأمريكى توحيد الجيش والأمن والسياسة الخارجية، وبالتالى توحيد السفارات والعلم والنشيد الوطنى والبنى التحتية والاقتصادية القومية القومية على ان تشارك كل إمارة طبقا لوزنها الاقتصادى النسبى فى الاتحاد الفيدرالى. بصبغة اماراتية للشيخ زايد الذى قام بزيارات متعددة لدول عربية اهمها مصر لدراسة الوحدة الاندماجية مع سوريا فى عهد الرئيسين عبد الناصر وشكرى القوتلى1958-1961 ونقاط القوة والضعف وعدم الاستمرار، كما زار اوروبا والولايات المتحدة لذات الغرض.

ورغم النهضة الحضارية والتنمية الشاملة فلم ينس الشيخ زايد تخليد حضارة وثقافة الاجداد والحياة البدوية التى فرد لها الجداريات والتى لفتت نظر الكاتب فى زيارة عمل دُعِى َاليها فى ابو ظبى الحديثة والجميلة، وهو ما أفرز رياضة سباق الجِمال (الهَجْن) كأحد الرياضات التراثية. هذا وقد أحب الشيخ زايد مصر وشعبها وأوصى بها بنيه ورأى مبكرا بفطرته السوية ان قوة مصر هى قوة للعرب وعمق إستراتيجى للخليج، وبادلته مصر وشعبها حبا بحب وسعدت بأن تحوى مدينة الشيخ زايد بالسادس من اكتوبر وكذلك احياء عديدة باسمه فى مدن كثيرة .وهكذا غادرنا شهر ديسمبر شهر تحقيق حلم وحدة الشيخ زايد الذى رحل الى جوار ربه فى نوفمبر 2004 فتحية لذكراه..

نشر في جريدة «الأهرام» المصرية

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى