مقالات الرأي

طالبان .. خبر كان وما هو كائن

طالبان تعود إلى واجهة الأحداث بعد أن أقصيت عن الحكم نتيجة للحملة الأمريكية على أفغانستان عام 2001؛ لتصبح بعد عشرين عاما وفي مفارقة غريبة عجيبة الرقم الأصعب في أفغانستان.

مفاوضات ماراثونية سبقت هذه النتيجة والأمريكان يخططون من بداية هذه المفاوضات لا للانسحاب من أفغانستان فحسب، ولكن لإعادة طالبان إلى واجهة الأحداث؛ فبعد أن كانت بالأمس القريب جماعة إرهابية اليوم تعود وبمباركة أمريكية حاكمة ومتحكمة في التراب الأفغاني من جديد.

أمريكا سيدة العالم وحاكمته قادرة على صنع ما تريد وقت ما تريد، كان يفترض وينتظر منها وفق سياق تاريخ العداء المعلن والقريب مع الحركة أن تسلم هذا البلد لجماعة أخرى، ولكنها في الفصل الأخير تعاملت مع طالبان الحركة الأقوى في أفغانستان. عند نشوء الحركة تم الاعتراف بها من ثلاث دول، وبعد الحادي عشر من سبتمبر، بقيت باكستان على وجل تحاول حفظ ما بقي لها من وصل وتواصل مع هذه الجماعة، ذهبت أمريكا وحلف الناتو في حملة عسكرية غير مسبوقة على هذا البلد المغلوب على أمره وتم دحر طالبان وتنصيب حكومة معتدلة ومعدلة تدين بالفضل والولاء لأهله، وبعد عشرين عاما تنفض أمريكا يدها من كل عملائها السابقين في هذا البلد لتعيد المكان والزمان إلى الوراء عشرين عاما وكأن التاريخ يعيد نفسه بأيدي الأمريكان وليس الأفغان.

ما الذي تغير الآن لتعيد أمريكا طالبان إلى واجهة الأحداث، وما الذي تمثله هذه الجماعة البدائية لتكون خيار أمريكا القادم في تلك المنطقة الملتهبة التي ما أن تخرج من حرب إلا وتدخل في أخرى؟.

باكستان كانت وما زالت على وئام مع هذه الحركة، كونها الحاضنة الفكرية لهذه الجماعة قبل أن تكون إحدى أدواتها في أفغانستان، والباكستانيون تقتضي مصالحهم الاستراتيجية والوجودية حليفا قويا يدين لهم بالولاء في الجارة أفغانستان.

إيران كانت لها مواقف متناقضة مع الحركة في التسعينات وتصاعدت الأزمة بين الطرفين إلى مستوى غير مسبوق من التوتر خاصة عام 1998 بعد أن اقتحمت الحركة القنصلية الإيرانية في مزار الشريف، وقامت بإعدام اثنين من موظفيها، ثم حصل بينهما عدد من التفاهمات توجت بتنسيق ملحوظ بعد الغزو الأمريكي لأفغانستان كون إيران كانت وما زالت تنظر بتوجس لأي تواجد أمريكي في محيطها وخاصة الجارة أفغانستان التي تشاركها حدودا يبلغ طولها أكثر من 1000 كلم، ومع ذلك هناك الكثير من الخلافات السياسية والاختلافات الفكرية التي تجعل من الحركة وإيران عدوين على المدى البعيد وإن كانت بعض الضرورات السياسية والاقتصادية تبيح وتبرر للطرفين شيئا من التنسيق والتعاون حتى حين !.

روسيا والصين حليفتان منسجمتان خاصة عندما تكون أمريكا هي الخطر، وبالتالي فالانسحاب الأمريكي يعني فراغا ستملؤه طالبان، وهذا يعني أن أمريكا قد نجحت إلى حد ما في وضع أيقونة توتر في هذه المنطقة، تستطيع من خلالها خلط الأوراق وإعادة ترتيبها وفق المخاوف الغربية الجديدة والتي أصبحت ترى في الصين أولا وروسيا على الأمد القريب الخطر القادم الذي ينبغي احتواؤه والتعاطي معه.

أما الدول العربية فهي كعادتها آخر من يعلم، كون الأمريكان يتصرفون وفق جداول زمنية محددة ومعدة سلفا وفق ما تقتضيه مصالحهم، أما الآخرون فما عليهم سوى تكييف أنفسهم وفق هذا المتغير الجديد الذي تفرضه هذه المصالح التي أصبحت تفاجئ الحلفاء الأوربيين قبل الأعداء، بانعطافات مفاجئة وغير متوقعة؛ فاليوم احتلال وغدا انسحاب في مشهد يؤكد أن أمريكا عند السواد الأعظم من الناس ما زالت قوة تكتب التاريخ وفي حالات خاصة تعيد استنساخ أحداثه وفق ما تريد وكيفما تريد.

ويبقى السؤال الأخير المبني على ذلك الاحتمال الممكن والضعيف، لماذا لا يقال إن أمريكا قد خسرت معركتها هناك، واليوم تحتكم إلى الواقع الذي فرضته طالبان القوية والذي جعلها الخيار الممكن والأخير للأمريكان المهزومين في أفغانستان؟.

علي المطوع

نشر في «مكة»

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى