مقالات الرأي

لماذا لم تستطع مصر تجديد الخطاب الديني ومحاربة الفكر المتطرف؟

آية عبد الرؤوف

صحافية وكاتبة مصرية

«تجديد الخطاب الديني».. جملة ترددت كثيرًا في الآونة الأخيرة خاصة بعد تولي جماعة الإخوان الإرهابية حكم مصر في 2012 وحتى أنعم الله على البلد التي ذكرها في القرآن وحفظها من ظلم وشر أولئك الذين يرفعون رآية الإسلام وهو من أفعالهم وجرائمهم بريء.

هذه الجماعة تستقطب أعضاءها والشباب بمفاهيم مغلوطة عن الإسلام وتغسل عقولهم؛ فقد تناسوا قول الله عز وجل في سورة المؤمنون: «وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۖ وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ ۚ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ»، وقول الله تعالى في سورة النساء: «يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا».. أي يريد الله تعالى بما شرعه لكم التيسير، وعدم التشديد عليكم؛ لأنكم خلقتم ضعفاء.

تقوم الجماعات التكفيرية بقطع رءوس العزل والأسرى وهم يؤكدون أن ما يقومون به يأتى تنفيذًا لقول الله تعالى: «فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا» محمد: 4 و تستدل الجماعات التكفيرية بهذه الآية على أن ضرب الرقاب هو الذبح، وتناسوا أن الإسلام لم يأمر بهذه الأمور البشعة وأن هذا الفهم فى غاية البشاعة وهو افتراء على القرآن الكريم وتحريف لمعانيه وإلصاق جرائم ثلة من الإرهابيين بالوحى الشريف؛ لأن الآية تتحدث عما يقع من قتل العدو فى المعركة ويحصل اشتباك مع العدو ويقع القتل والأسر وغيره مما يحدث أثناء التحام الصفوف، والآية صريحة فى بيان أن الإسلام لا يمكن أن يقوم إلا بحفظ المسلمين من شرور الكافرين، والآية لا تبيح الاعتداء على الآخرين وأن كانوا مخالفين فى العقيدة فهذه حروب وغزوات النبى صلى الله عليه وسلم تجدها بمجملها حروبا دفاعية يحافظ بها على أرواح وممتلكات المسلمين وحتى الغزوات التى حصلت فى حياته فإنها كانت لدفع بعض المؤامرات وكعمليات استباقية أجراها النبى صلى الله عليه وسلم قبل وصول الخطر إلى ديار الإسلام. وعموما فالآية الكريمة تبين أن على المسلم فى حالة إعلان الحرب ووقوعها أن يقتل الكافر، كما أن «فَضَرْبَ الرِّقَابِ» لا تدل على الذبح بل على شدة القتل.

تكفر الجماعات كل من ترك حكمًا من أحكام الله وانطلقوا يكفرون المسلمين فى ربوع الأرض وصارت قضية الحاكمية هى أساس منهجهم المعوج ومنطلق جميع مفاهيمهم فى الجهاد والقتال حتى انتهى أمرهم بقتال المسلمين وقتل آبائهم وأقاربهم، و تستدل الجماعات الإرهابية والتنظيمات المتشددة بقول الله تعالى: «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ» المائدة:44، ولكن إن من ترك الحكم بما أنزل الله كلية بحيث اعتقد أن حكمه أفضل وأقوم معاندًا ومنكرًا وجاحدًا لأحكام الله فقد كفر، أما من آمن وصدق وأقر بأن أحكام الله هى الحكمة والعدل والنور لكنه تعثر فى تطبيقها لضعف فى نفسه أو تكاسل أو بسبب معوقات وعقبات عرقلته عن تطبيقها مع كامل الإيمان والتصديق بها فهو مسلم ومؤمن لكنه عاص بمقدار ما أخل به من الأحكام، وهذا ما أجمع عليه الأئمة الكبار، ونجد أن الفرق التكفيرية من الخوارج مرورًا بجماعة التكفير والهجرة إلى الإخوان المسلمين وليس انتهاءً بداعش وأفرعها انطلقت من اتهام المسلمين بتعطيل أحكام الله ثم يتهمونهم فى دينهم ويكفرونهم، وما يترتب على ذلك من فهم مغلوط لجميع المفاهيم الإسلامية والآيات والأحاديث حيث يتهمون المسلمين بأنهم فى الجاهلية والحاكمية وغيرها من المفاهيم المغلوطة لدى تلك التنظيمات والجماعات.

ومن هنا خرج مصطلح تجديد الخطاب الديني الذي دعا إليه الرئيس عبد الفتاح السيسي مرارًا وتكرارًا، ويسعى الأزهر الشريف بالفعل في محاولات عديدة أن يقوم بتنفيذ ذلك ولكن مع الأسف الشديد لم تنجح هذه المحاولات في تحقيق نتيجة ملموسة.

لماذا لم ينجح الأزهر الشريف والأئمة في تجديد الخطاب الديني؟.. سؤال صعب ربما لم يفكر فيه المسؤولون لأنهم يبحثون جاهدين عن تنفيذ الأمر ولكن إذا عُرف السبب بطل العجب، فيقوم الأزهر والشيوخ بالظهور في البرامج التليفزيونية ويطلون بشرح مفاهيم الدين على القنوات الفضائية، من دون النظر إلى من يتابعهم أو يستمع إليهم.

ولا يجوز إطلاقًا مخاطبة جيل الإنترنت وشباب يعيش مع جميع الدول ويطلع على كل الثقافات في العالم عن طريق برنامج تليفزيوني، فأنت لا تستطيع إجباره على مشاهدتك أو سماعك أو النظر إليك، فينقسم الشباب إلى قسمين منهم من ينجرف وراء الفكر المتطرف ومنهم من يسلك طريق التحرر وفي الحالتين الوطن هو الخاسر الوحيد.

ظهور الأئمة على شاشات القنوات الفضائية لا يجعلك تغير فكر شباب في العشرينات أو الثلاثينات، فأنت تخاطب من اختار طريقه ولن يكلف نفسه في سماعك، نسب المشاهدة لشاشات التلفزيون أصبحت في مستوى غير جيد تمامًا، لكي تريد تجديد خطاب ديني صحيح ومحاربة فكر متطرف واستقطاب الشباب عليك العمل على تكوين فكر سليم يصعب توجيهه أو اللعب على أفكاره ومشاعره.

لم تتطرق المؤسسات الدينية في التوجه إلى المنصات الجديدة التي يتابعها العديد من الشباب ومختلف الفئات مثل «تيك توك وتيليجرام» على سبيل المثال ومخاطبة الجمهور بلغته والتقرب منهم لشرح وتوضيح المفاهيم المغلوطة وتجنب التعرض للاستقطاب، لكنها تكتفي ببعض المنصات التي لا تثمر بشكل كاف ولا تحقق النتيجة المطلوبة، يجب العمل بالتوازي في معالجة الأمر والتجديد الفعلي للخطاب بداية من دخول الطفل المدرسة والانتشار على جميع منصات التواصل الاجتماعي ومخاطبة جميع الفئات، لم أطالب بالتخلي عن لغتنا العربية ولكني أطالب بتبسيط المعنى وتوصيله بشكل غير معقد، فكيف نحارب فكر لن نسير في نفس سرعته وخطاه؟.

ويجب أن تختلف حصص التربية الدينية التي توجد في المدارس والعمل على تنوير وتثقيف الطفل من الصغر، فهذه الحصص لا يوجد بها سوى بعض السور القرآنية وفي أغلب الأحيان يتم إلغاء هذه الحصة، لابد من وجود الأئمة والشيوخ والأزهر الشريف داخل المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية، وشرح وتفسير الدين بشكل صحيح وسليم لكي تحصل على شخص لديه فكر سوي لا يستطيع أحد استقطابه أو اللعب على مشاعره وعقله، فإن تكوين شخص سوي وفكره سليم واستيعابه للأمور صحيح أفضل من محاولات معالجة الشباب بعد غسل عقولهم.

لابد من توضيح مفاهيم الإسلام السليمة لأطفالنا منذ الصغر ولا ننتظر وقوع الكارثة وتشتيت الشباب وانهيار فكرهم وضياع مستقبلهم، من يشاهدهم على القنوات الفضائية أعمارهم لا تتناسب مع هدف الدولة المصرية في إنشاء جيل واع وناضح وله فكر سليم.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى