مقالات الرأي

الانحطاط الأخلاقي في الخطاب الإخواني: سلوكات فردية أم تكتيك مرجعي؟

عبدالحق الصنايبي

إن المتخصص في تيارات الإسلامي السياسي بشكل عام وتنظيم الإخوان المسلمين بشكل خاص يحتاج إلى ربط التعبير السلوكي لأعضاء التنظيم بالخط الإيديولوجي للجماعة لفهم نمط الخطاب الذي يتم تداوله في نقاشات الإخوان مع من يُعارضون طرحهم السياسي وهو النقاش الذي قد ينحدر إلى مدارك السب والشتم والفجور في الخصومة ويصل إلى مستوى التكفير المخرج من الملة. ولعل البعض ممن يحسنون الظن بالتنظيم يذهبون إلى أن هذه الانفعالات السلوكية هي تعبيرات فردية شاردة ومنعزلة ولا تعكس بنية الخطاب الإخواني الذي يرفض الانحدار إلى مستوى من الانحطاط لا يليق بتنظيم ينسب نفسه إلى الإسلام ومنهم من جعل منه جماعة المسلمين والفرقة الناجية وما غيرها من التنظيمات تبقى خارج دائرة الإسلام وكلها في النار إذا لم تدركها وتشملها رحمة الله جل وعلا.

إن البحث المنهجي الدقيق والرجوع إلى كتابات القيادات الإخوانية المعتمدةّ، يجعلنا نؤمن أن مبدأ اللجوء إلى أساليب غير أخلاقية ومنحطة في التعامل مع الآخر، هو من صميم البناء الأيديولوجي لهذا التنظيم السرطاني الخطير. وهنا لا يتردد التنظيم الإخواني في تمزيق سياقات النص الديني خدمة لاستراتيجية التنظيم حتى لو تعلق الأمر بمجرد تدافعات فكرية ومناظرات تحقيقية يكون الحكم والفيصل فيها للدليل العقلي والإحالة التاريخية والمجادلة المنطقية.

في هذا السياق، يتعلَّق الإخوان بالآية 148 من سورة النساء حيث يقول رب العزة لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعا عليما، وجعلوا منها تبريرا شرعيا للهجوم على المخالفين حتى ولو أدى ذلك إلا الاستعانة بخطاب غارق في السب والشتم والقذف واللعن، بل ويعتبرون ذلك مما يدخل في خانة «جهاد الكلمة» وينضبط لقاعدة «ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب».

وعلى مستوى التطبيقات العملية للخطاب الإخواني نجد أن أولى مظاهر هذا الانحطاط الأخلاقي في التعامل مع «الآخر» قد تم التأسيس له من طرف مؤسس الجماعة ومرشدها الأول حسن البنا الذي أشار في مذكراته بمناسبة تناوله لإحدى النقاشات التي جمعته مع أحد الإخوان الذي هدد بفضح مجموعة من الخروقات المالية التي تورط فيها المرشد، فيقول: «إن الذي يؤلمني في الأمر شيء واحد فقط هو أنني بالأمس القريب كنت أقدمك للناس كما يقدم الإبن والده في احترام وتوقير وكنت أقدم هؤلاء الأبناء كخلاصات من الشباب المؤمن. وموقفكم سيضطرني مكرهاً إلى الطعن والنقيصة ورميكم بالأكاذيب والبهتان والخيانة والمروق والخروج على الحق وعلى الدعوة.. إلخ من هذه الألفاظ والتهم التي لا يعجز عنها أحد. تصور أن هذا المظهر وحده يحز في نفسي ويؤلمها أشد الألم وإن كان البادىء أظلم». ورحم الله الشاعر العربي: نفلق هاماً من رجال أعزة علينا وهم كانوا أعق وأظلما. انتهى كلام حسن البنا (مذكرات الدعوة والداعية ص 141).

ولعل البحث في ظاهرة الانحطاط الأخلاقي التي تميز الخطاب الإخواني يحيلنا على ظاهرة الكتائب الإلكترونية والصحافة الإخوانية الصفراء والتي غالبا ما تحاول التعبير والدفاع عن آراء ومواقف التنظيم من خلال اللجوء إلى لغة ساقطة ومنحطة والتي يشرعنها أعضاء الجماعة من خلال تكييفها على أنها من «الضرورات التي تبيح المحظورات». وهنا نحيل القارئ على أحد القيادات الإخوانية ويدعى محمود عساف وهو من الرعيل الأول للإخوان بل وكان يشغل مهام أمين سر حسن البنا شخصيا. هذا القيادي الإخواني يشرح لنا كيف كان الإخوان يدبرون ويديرون تدافعهم السياسي مع حزب الوفد الذي كان يمثل القوة الشعبية الأولى في مصر، فيقول في كتابه «أيام مع الإمام الشهيد حسن البنا» ص 184: «فكر الإمام حسن البنا فيما ينبغي فعله لمواجهة شتائم جرائد الوفد والرد على سفالتهم وكانت الفكرة جديدة لم تخطر على بال أحد وكلفني بتنفيذها. تلك الفكرة هي إصدار مجلة مستقلة تنبري في الرد على جرائد الوفد بذات الأسلوب، فاستدعاني الإمام الى مكتبه وشرح لي الفكرة موضحاً أنه لا سبيل للرد على سباب الوفد إلا بمثله وبأسلوب رادع بشرط الا يمس تاريخ وأدب الاخوان، وعلى ذلك ينبغي ان تنأى جريدة الاخوان اليومية عن هذا الاسلوب فهي جريدة للتاريخ وسيكتب عنها المؤرخون فيما بعد، ولا يجدر بها ان تنزل عن هذا المستوى الرفيع الذي احتلته في نفوس الناس. ويواصل محمود عساف اعترافه فيقول «جمعني الإمام مع الأخ الأستاذ أمين اسماعيل وجلسنا سوياً نتناول هذا الأمر واخترنا هيئة التحرير من كبار الكتاب الساخرين في هذا الوقت».

ويريد ربك أن يفضح هذه المجلة ويعلم الجميع بنسبتها للإخوان، فكيف كانت ردة فعل الشيخ الرباني والإمام القرآني والقطب المكتوم والعلامة الحجة؟ الجواب نسرده على لسان أمين سره محمود عساف الذي يقول في الصفحة 190 من نفس الكتاب «وحمل إلينا البريد كثيراً من رسائل أصدقائنا من الإخوان المسلمين يعيبون علينا الخروج عن بعض الحدود التي رسمها الاخوان لأنفسهم في محاربة الحزبية كما علمنا ان رسائل كثيرة بهذا المعنى أرسلت الى المركز العام للإخوان المسلمين. وبعد ان التصقت بالجماعة تلك التهم الشنيعة هل سيتحمل المرشد العام حسن البنا نتيجة فكره وخططه؟ ويقول انا الذي دبرت تلك المكيدة، وخالفت القواعد التي وضعتها لكم، ام أنه سيتبرأ من المخالفين له في الظاهر، ويقول ليسوا اخوانا وليسوا مسلمين». وجد الإخوان الجواب في تدبير استقالة (صورية) وقدموها الى المرشد ليتحملوا بمفردهم سوء أعمالهم حتى لا تشوه صورة الجماعة ولا تشوه صورة المرشد العام. وقالوا أن منهجنا يخالف منهج الإخوان وذلك بعد صدور أربعة أعداد من المجلة.

كان رد المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين على الاستقالة مليئا بالنفاق والتقية وكأنه لا يعلم حيثيات الموضوع فقال «فقد تلقيت استقالتكما من الإخوان المسلمين، وقرأت ما كتبتماه في مجلة الكشكول في عددها وعرضتها على الهيئة التأسيسية للإخوان في اجتماعها الماضي فوافقت عليها شاكرا لكما جهودكما الصادقة في خدمة الدعوة الكريمة سابقا وحسن استعدادكم لخدمتها لاحقا، وجميل ثنائكما عليها واعترافكما بما تقدم للشباب من خير وحسن توجيه» !!!!!.

من خلال ما سبق، يتبين إلى أي حد يمكن أن يصله الإخوان في مواجهتهم لكل من يرفض طرحهم الأيديولوجي أو يحاول فضح أطروحاتهم التخريبية. ويبقى أن نشير إلى أن حدود المواجهة ورفض الآخر، دفعت بالإخوان «المسلمين» إلى إبداء ردات فعل جد عنيفة وصلت بهم إلى حد اغتيال شخصيات عمومية وازنة من أمثال رئيس الوزراء أحمد ماهر باشا (24 فبراير 1945) والقاضي أحمد بك الخازندار (22 مارس 1948) ورئيس الوزراء ووزير الداخلية في نفس الوقت محمود فهمي النقراشي باشا (28 ديسمبر 1948). ولنا عودة لهذه الجرائم السياسية في القادم من المقالات بإذن الله.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى