آخر الأخبارتحليلاتعرب وعالم

التوغل الإيراني في العراق.. تدخلات سافرة لاستنساخ الحرس الثوري

أبدى مسؤولون عراقيون قلقهم من مخطط إيران لإضعاف المؤسسة العسكرية العراقية، وفتح قرار نقل الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي من جهاز مكافحة الإرهاب إلى وزارة الدفاع، ملف التدخلات الإيرانية الفاضحة في العراق، وأثار موجة استنكار كبيرة.

وطالبت لجنة الأمن والدفاع النيابية رئيس الوزراء رسميًا بتوضيح قرار نقل الساعدي، مشيرة إلى أنها ستستضيف الساعدي بأقرب وقت للوقوف على تداعيات قرار تجميد صلاحياته العسكرية.

وكانت قرارات رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، حيال عزل وتجميد عدد من القيادات العسكرية التي شاركت في المعارك ضد تنظيم داعش، قد أثارت موجة غضب شعبي وسياسي، الأمر الذي دفع قيادات عسكرية إلى التحذير مما أسمته “مخطط إيران” لإضعاف المؤسسة العسكرية.

فخلال 9 أشهر تم عزل 9 قادة من أبرز الضباط الذين قادوا معارك استعادة المحافظات الغربية والشمالية من تنظيم داعش الإرهابي.

وكان قرار إحالة الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي قائد قوات مكافحة الإرهاب، إلى إدارة الضباط في وزارة الدفاع، كفيلاً بتغيير الشكوك إلى شبه يقين بعمل ممنهج يستهدف المؤسسة العسكرية النظامية لإفراغها وإضعافها، مقابل تنامي قوة هيئة الحشد الشعبي، والميليشيات المدعومة من إيران.

نسخة من الحرس الثوري

في السياق ذاته، كشفت مصادر عسكرية في تصريحات صحفية، عن مساعي قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، لإضعاف الجيش العراقي وعزل قادته، وبالمقابل تحويل ميليشيات الحشد الشعبي إلى “نسخة” من الحرس الثوري الإيراني، وتحديدًا بعد محاولات عديدة من قادة الميليشيات المساس بالجيش، ولكن هذه المحاولات باءت بالفشل وقوبلت برفض شعبي شديد.

بدورها، طالبت لجنة الأمن والدفاع النيابية رئيس الوزراء رسميًا بتوضيح قرار نقل الساعدي، مشيرة إلى أنها ستستضيف الساعدي بأقرب وقت للوقوف على تداعيات قرار تجميد صلاحياته العسكرية.

من جهته، استغرب رئيس تيار الحكمة عمار الحكيم، قرار تجميد الساعدي، معتبرًا أن هكذا إجراء حينما يكون بديلاً عن المكافأة والتقدير يبعث رسالة مغلوطة عن إدارة الدولة وآليات إدارة الملف الأمني.

وعلّق رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي على القرار، ملمحًا إلى احتمال وجود شبهات فساد من ورائه.

كما اعتبر رئيس كتلة الصدر النيابية صباح الساعدي، نقل الساعدي “قضية كبيرة تثير الاستفهام حول طبيعة ما يجري داخل الجهاز من عمليات إقصاء للضباط والقادة الشرفاء والنزيهين”، على حد تعبيره.

أبرز القادة الذين تم عزلهم:

الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي قائد قوات مكافحة الإرهاب، سبقه الفريق الركن عبد الغني الأسدي قائد قوات مكافحة الإرهاب السابق، وأول من تم استهدافه اللواء الركن معن السعدي قائد العمليات الخاصة الثانية في جهاز مكافحة الإرهاب، وانضم إليه الفريق الركن سامي العارضي قائد العمليات الخاصة الثالثة، كذلك اللواء نجم الجبوري قائد عمليات نينوى، ونائبه اللواء الركن كريم الشويلي، فضلاً عن قائد القوات البرية الأسبق الفريق الركن رياض العبيدي، واللواء الركن محمود الفلاحي قائد عمليات الأنبار ما زال قيد الاحتجاز، والفريق رائد جودت قائد الشرطة الاتحادية.

الانفصال عن منظومة الحشد الشعبي

كشفت مصادر سياسية عراقية عن تشكيل مجلس تنسيقي محدود يضم مجموعة من فصائل الحشد الشعبي، الأكثر قربًا من إيران، في مؤشر على إمكانية أن تؤدي تلك الفصائل دورًا منفصلاً عن منظومة الحشد نفسها، خارج القرار الرسمي للدولة العراقية ككل، لا سيما مع تزايد المخاوف من اندلاع صدام مسلح بين الولايات المتحدة وإيران.

ويضم المجلس الجديد ممثلين وقيادات في ميليشيات مثل كتائب حزب الله، وكتائب سيد الشهداء، والإمام علي، وعصائب أهل الحق، وحركة النجباء، وسرايا الخراساني، وحركة الأبدال، وكتائب جند الإمام، وتشكيلات أخرى، جميعها ترتبط بشكل وثيق مع الحرس الثوري الإيراني.

ولم يعلن عن المجلس بشكل رسمي، على الرغم من عقده لقاءات عدة في بغداد خلال الفترة الماضية.

ويضم المجلس سبعة أسماء بارزة، هم: أبو مهدي المهندس الذي جرى استبعاده من هيكلية الحشد الشعبي الجديدة، وقيس الخزعلي زعيم ميليشيا عصائب أهل الحق، وأكرم الكعبي زعيم حركة النجباء، وأبو آلاء الولائي زعيم ميليشيا سيد الشهداء، وأبو أكرم الماجدي زعيم ميليشيا حركة الأبدال، وعلي الياسري عن سرايا الخراساني، وغيرهم.

وجاءت مساعي تشكيل المجلس التنسيقي الجديد لبعض فصائل الحشد، بعد أيام قليلة على إعلان الهيكلية الجديدة لتنظيم عمل ميليشيا الحشد الشعبي في العراق، المظلة الجامعة لنحو 70 فصيلاً مسلّحًا تضمنت توزيعًا جديدًا ومناصب قيادية مختلفة، في مؤشر على اتساع الهوة بين ميليشيات تطلق على نفسها “المقاومة الإسلامية” مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، وتلك المرتبطة بمرجعية النجف في العراق وتلتزم بقرارات الحكومة العراقية.

انفلات القرار العسكري

ويحمل هذا التطور مؤشرات على إمكانية انفلات القرار العسكري في بغداد في حال اندلاع صدام بين الولايات المتحدة وطهران، في وقت تسعى فيه الحكومة العراقية إلى تجنيب البلاد حالة الاصطفاف مع أي من المعسكرين الحاليين في المنطقة.

وهذا يعني من الناحية العملية تشكيل محور عسكري محصور بفصائل عدة لا تخفي ارتباطها بإيران، بديلاً لمجلس الرأي الموجود داخل هيئة الحشد الشعبي، خصوصًا أن الفصائل المرتبطة بإيران تحدّت قرارات حكومية أكثر من مرة، كالانسحاب من مدن وبلدات تسيطر عليها، أو تسليم سلاحها الثقيل للجيش العراقي، والخضوع للمرسوم الوزاري القاضي بهيكلة الحشد.

وينظر إلى التشكيل الجديد “المنفصل” عن التشكيل الرسمي على أنه خرق وتجاوز للقانون، خدمة لمصالح دولة أجنبية على حساب مصلحة العراق.

ويأتي هذا التطور بعد تصريحات للسفير الإيراني في بغداد إيرج مسجدي، التي أكد خلالها على وجود مشكلة مع القوات الأمريكية المنتشرة على الأراضي العراقية، وأنها ستواجه بالمثل في حال تعرضت بلاده لخطر عسكري.

وعززت تلك التصريحات المخاوف لدى الكثيرين من أن تقحم الفصائل الموالية لإيران العراق في دوامة صراع يدفع العراقيون ثمنه غاليًا.

تدخلات سافرة

شهدت السنوات الأخيرة تدخل نظام الملالي السافر داخل العراق، خاصة في الجانب العسكري من خلال التمويل والتدريب والتسليح الذي تمنحه طهران للجماعات الشيعية المسلحة في العراق، عن طريق فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، إضافة إلى ذلك فإن لتدخل إيران أيضًا جوانب سياسية واقتصادية ودينية تريد بها أن تصوغ دولة تحت هيمنة مصالح طهران، وتكون بمثابة معبر للنفوذ الإقليمي في الدول العربية المتاخمة.

وظهرت خيوط التدخل الإيراني بوضوح فيما يتعلق بالانتخابات البرلمانية العراقية في العام الماضي، حيث إن نظام الملالي حاول دعم ترشح قيادات من ميليشيات الحشد الشعبي في الانتخابات التي فاز فيها تحالف “سائرون”، الذي يتزعمه رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، بأغلبية برلمانية، 54 مقعدًا.

وبات واضحًا أن ترشيح زعماء من ميليشيات الحشد الشعبي في الانتخابات، هو جزء من سياسة إيران للسيطرة من الداخل على العواصم العربية، خاصة بغداد، وفي ذلك الشأن تعمل إيران مع حلفائها في العراق على تشكيل ائتلاف يقطع الطريق أمام القوى الأخرى، وتنصيب قائد ميليشيات الحشد الشعبي هادي العامري قائد منظمة بدر، إحدى أذرع إيران العسكرية في العراق، وكان النظام في طهران قد سعى مرارًا من أجل توليه منصبًا أمنيًا في الحكومة العراقية منذ عام 2014، حيث تستثمر طهران كل الفرص الجديدة لدعم العامري من أجل تكريس هيمنتها على رأس السلطة في العراق.

دور مشبوه

وبدأت إيران، منذ احتلال العراق عام 2003، في التوغل بصورة مشبوهة داخل المجتمع العراقي كهدف يجعل تدخلها في شؤونه السياسية أمرًا تلقائيًا، ثم بعد ذلك باتت تتذرع بأن كل ما تفعله في العراق هو بطلب من حكومته، لتتمكن عبر هذه السياسة من جعل العراق بحكوماته المتعاقبة منصاعًا لتوجهات طهران.

واعتبرت طهران سقوط نظام صدام حسين فرصة لبسط نفوذها بين الشرائح والفصائل التي ساندتها، وبعد الانسحاب الأمريكي من العراق برزت مخاوف إقليمية من عدم قدرة العراق على الوقوف مجددًا وتزايد فرص أن يصبح العراق دولة تحت رعاية إيران، في حين حاولت عدد من الدول العربية مواجهة النفوذ الإيراني المتنامي في محاولة لملء الفراغ الذي سينشأ مع انسحاب الولايات المتحدة.

تخريب الاقتصاد العراقي

عملت طهران على تخريب الاقتصاد العراقي، إذ أصبح العراق سوقًا مفتوحة للبضائع الإيرانية بمختلف أنواعها، مما جعل الاقتصاد العراقي تابعًا لإيران تبعية مطلقة، ومعتمدًا عليها اعتمادًا كليا، وتعتمد طهران دورًا تخريبيًا واستراتيجيًا يقوم على خطة تجميد الموانئ العراقية وعدم صلاحيتها مستقبلاً، في المقابل تعمل على توسيع قدرات موانئها القديمة وبناء عدد من الموانئ الجديدة، بالإضافة لذلك تعمل على تجريف الأراضي الزراعية.

وفي السياق نفسه، قطعت إيران بعض مصادر المياه عن العراق، وحوّلت مسار بعض الأنهار الأخرى إلى داخل الأراضي الإيرانية مثل نهر الوند، الذي يغذي الزراعة في محافظة ديالي شرق العاصمة بغداد، وذلك لربط الاقتصاد العراقي بالسوق الإيرانية من أجل إغلاق المصانع والمعامل العراقية، والإضرار بالسوق العراقية، وإنعاش السوق الإيرانية.

لماذا يتدخل الإيرانيون في العراق؟

لأن العراق جار استراتيجي يمكنها من إحكام السيطرة على مفاتيح المنطقة برمتها، وللهيمنة الجغرافية، حيث يتشارك العراق وإيران في أطول حدود تبلغ 1500 كلم، ولإضعاف الهوية السنية الكبيرة في جنوب العراق التي تسيطر على المنفذ الاستراتيجي المطل على الخليج، الذي يحتوي على نحو نصف احتياطي نفط العراق، ولتعطيل نهوض الدولة الوطنية العراقية التي تشكل تهديدًا استراتيجيًا للنفوذ الإقليمي الفارسي وتعرقل الأطماع الإيرانية في أرض الرافدين، ولضمان بقاء النفوذ الإيراني عبر رجال مؤثرين في الهياكل السياسية العراقية، وتشجيعهم على خوض الانتخابات تحت قائمة موحدة ودعمهم لتسهيل مهمة إيران في السيطرة الداخلية وإحكام التأثير على مجريات الحياة في العراق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى