مقالات الرأي

الديمقراطية الإخوانية: تسييس الدين وأدلجة المعتقد

د.عبدالحق الصنايبي

إن المتابع لتبلور وتطور الظاهرة الإخوانية منذ تأسيس التنظيم سنة 1928، تتولد لديه القناعة التي ترقى إلى اليقين بكون القائمين على شؤون الجماعة ورسم استراتيجياتها للوصول إلى السلطة لم يؤمنوا يوما ما بالمعطى الديمقراطي كأساس جوهري لتنظيم اللعبة السياسية بين الفرقاء السياسيين.

في هذا السياق، سجلنا، من خلال تشريح معمق للبنية السلوكية لتنظيمات الإسلام السياسي، تلاعب الإخوان المسلمين بمفاهيم الديمقراطية حسب السياقات التاريخية للصراع وحسب موقعهم من اللعبة السياسية وموازين القوى داخل بنية الحكم.

ولعل قبول التيار الإخواني بمبادئ اللعبة السياسية، في ظرفية تاريخية وسياسية معينة، كان استجابة للحاجة إلى البدئ في مرحلة التسلق التدريجي في سلم الارتقاء السياسي ومواكبة تكتيكات الانتشار الجماهيري والاختراق المؤسساتي ومحاولة التحكم في مفاصل الدولة، مع التعبير عن براغماتية مرنة في تعاملهم مع القيادات السياسية ورأس الدولة في جميع المجتمعات التي وجدوا لهم فيها موطئ قدم.

من هذا المنطلق، اقتنع الإخوان «المسلمين» بضرورة دخول اللعبة السياسية وخوض غمار المنافسة الانتخابية للوصول إلى الحكم، إلا أنها كانت تنقصهم التقعيدات الشرعية التي تصوغ لهم المشاركة في منظومة الممارسة الديمقراطية رغم اعتقادهم بعدم ملاءمتها لمنطوق الشريعة الإسلامية.

ورغم أن مؤسس الجماعة حسن البنا «أفتى» لأتباعه بالانخراط في العملية السياسية، بل وترشح هو فعليا للانتخابات التشريعية عن دائرة الاسماعيلية، إلا أننا لم نعثر في قراءتنا لأدبيات حسن البنا، عن تأصيلات فقهية للمشاركة السياسية والقبول بقواعد الممارسة الديمقراطية.
ولعل أهم مرجعين أصّلا لمبدأ للعمل الديمقراطي عند تنظيمات الإسلام السياسي هما أبو الأعلى المودودي وسيد قطب.

إن الفكر المودودي يؤيّد فكرة الاحتكام إلى الديمقراطية كآلية لاختيار الحاكم وكذا من ينوب عنهم في تسيير الشأن العام. غير أن هذه الديمقراطية لا يجب أن تفهم بمعناها الغربي الليبرالي الضيق وإنما هي الديمقراطية الانتخابية التي تفرز الخيار الشعبي المطلوب بمعنى: ما هي هوية الدولة التي يريدها الشعب؟.

وفي هذا الصدد يقول المودودي: أما كيف يتأتى هذا التغيير ؟ فليس له من سبيل في نظام ديمقراطي، إلا خوض معارك الانتخابات، وذلك أن نربي الرأي العام في البلاد، ونغير مقياس الناس في انتخابهم لممثليهم، ونصلح طرق الانتخابات ونطهرها من اللصوصية والغش والتزوير، ثم نسلم مقاليد الحكم والسلطة إلى رجال صالحين، يحبون أن ينهضوا بنظام البلاد على أسس الإسلام الخالص.

أما سيد قطب فقد أصل لفكرة خبيثة يعتبرها الإخوان الأساس العقدي للمشاركة السياسية ومحاولة الوصول إلى السلطة ومن تم الانقلاب على باقي الشركاء في العملية السياسية. ذلك أن سيد قطب وجد في قصة سيدنا يوسف مبررا شرعيا لإمكانية المشاركة السياسية في ظل حكومة «كافرة» وبالرغم من «غياب» دولة الإسلام التي يصر سيد قطب على أنها غير موجودة البتة وأن الإسلام انقطع عن الوجود، حيث “غابت الأمة المسلمة عن «الوجود» وعن «الشهود» دهرًا طويلاً. وقد تولت قيادة البشرية أفكار أخرى وأمم أخرى، وتصورات أخرى وأوضاع أخرى فترة طويلة، وبخاصة أن ما يسمى «العالم الإسلامي» يكاد يكون عاطلاً من كل هذه الزينة. (انتهى كلام سيد قطب)
ولإسناد هذا الطرح الشاذ لجأ سيد قطب إلى تأويل الآية 55 من سورة يوسف حيث يقول جل وعلا: «قال اجعلني على خزائنِ الأرض إنّي حفيظٌ عليم»، ليبرهن على أن ما قام به سيدنا يوسف هو حقيقة ما يجب أن تقوم به التنظيمات الإسلامية على اعتبار أن حديث «إنا والله لا نولي على هذا العمل أحدا سأله ولا أحدا حرص عليه» لا يمكن فصله عن سياقات تطبيقه والتي تفرض أن نكون في مجتمع إسلامي اكتمل تكوينه وأصبح يُحَكِّم شرع الله في كل صغيرة وكبيرة من أمور دينه ودنياه. وهنا يقول سيد قطب في تفسيره لهذه الآية: «إنه (يقصد سيدنا يوسف عليه السلام) لم يكن يعيش في مجتمع مسلم تنطبق عليه قاعدة عدم تزكية النفس عند الناس وطلب الإمارة على أساس هذه التزكية. كما أنه كان يرى أن الظروف تمكن له من أن يكون حاكما مطاعا لا خادما في وضع جاهلي. وكان الأمر كما توقع فتمكن بسيطرته من الدعوة لدينه ونشره في مصر في أيام حكمه. وقد توارى العزيز وتوارى الملك تماما…».

وقد استدل بعض المعاصرين بهذه الآية على جواز طلب الإمارة، وجواز إعطائها لمن طلبها. وناقشوا، وهم في معرض تفسيرها، مدى شرعية تولي المناصب العليا في دولة لا تحكم بشريعة الله، حيث اتكئوا على تفسير سيد قطب الذي يقول: «وهذه المهمة، مهمة إحداث انقلاب اسلامي عام غير منحصرة في قطر دون قطر، بل ما يريده الاسلام ويضعه نصب عينيه أن يحدث هذا الانقلاب الشامل في جميع أنحاء المعمورة، هذه هي غايته العليا ومقصده الأسمى الذي يطمح اليه ببصره الا أنه لا مندوحة للمسلمين أو أعضاء الحزب الاسلامي –يقصد الاخوان– عن الشروع في مهمتهم بإحداث الانقلاب المنشود والسعي وراء تغيير نظم الحكم في بلادهم التي يسكنونها». (في ظلال القرآن الجزء 3 الصفحة 1451).

هذا الطرح القطبي يتماهى، نسبيا، مع أطروحة أصحاب «الأممية الرابعة» من أتباع ليون تروتسكي (1879/1940) والذين ينادون بالثورة الموازية في جميع أقطار العالم، حيث يلخصها إرنست منديل في مقولة «كيف يمكن أن تقوم الثورة في البرازيل والموزمبيق لازالت مستعمرة برتغالية». ولعل الاختلاف بين الأطروحتين يكمن في أن الإخوان يؤمنون بإمكانية العمل على الوصول إلى السلطة في أي بلد توفرت فيه الشروط الذاتية والموضوعية لتحقيق «التمكين»، في أفق توحيد هذه الأقطار تحت مظلة «الخلافة الإخوانية».

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى