«داعش» في مواجهة الجيش النيجيري.. الصراع المتجدد
خالد عكاشة
فى كمين مسلح نُسب إلى عناصر إرهابية مسلحة فى «ولاية يوبى» شمال شرق نيجيريا، قتل مؤخراً نحو سبعة عسكريين بينهم ضابط برتبة كبيرة من قوات الجيش النيجيرى، اللافت أن هذه المجموعة العسكرية توجهت إلى موقع الهجوم إثر استدعاء عاجل لتنفيذ هجوم مضاد، بحق مجموعة مسلحة كبيرة نفذت قبلاً إغارة مفاجئة ببلدة «أسكيرا أوبا» بولاية «بورنو» الشهيرة، التى تعد مسرح عمليات الكر والفر منذ نحو اثنى عشر عاماً ما بين الجيش النيجيرى والعناصر المسلحة، التى كانت تابعة لتنظيم «بوكو حرام» قبل أن تنقل ولاءها هذ العام إلى تنظيم «داعش» تحت مسمى «ولاية غرب أفريقيا». العملية التى استلزمت استدعاء تلك التعزيزات، استخدم فيها الإرهابيون قنابل زرعوها على الطريق الذى يربط بين عاصمة ولاية بورنو ومدينة مونغونو، ثم قاموا بفتح النيران الكثيفة بواسطة «قاذفات صواريخ» على قافلة عسكرية. مما أسقط نحو 18 جندياً نيجيرياً وعدداً من المدنيين الذين تصادف وجودهم بموقع الهجوم، فضلاً عن أسر الإرهابيين لجنديين من تلك القافلة قبل أن يغادروا المكان بعد تدميرهم لعدد كبير من الآليات العسكرية، ويظل هذا الهجوم هو الأعلى فى حصد الأرواح بين هجمات هذا التنظيم منذ الإعلان عنه بحق القوات المسلحة النيجيرية هذا العام. هذه العملية التى خرجت منها العناصر المنفذة دون ملاحقتهم أو القبض على أى منهم، فتحت شهية التنظيم لتكثيف الضغط الدامى فى ذات المنطقة، فلم يمض شهر حتى قام التنظيم بتنفيذ عمليات إغارة على «ولاية سوكوتو» القريبة من الهجوم الأول، استمرت لنحو يومين متتاليين أسفرت عن مصرع 15 من المدنيين فى بلدة «إليلا» المتاخمة للشريط الحدودى مع النيجر.
الدعاية النيجيرية كانت تروّج بداية العام الحالى أن الجماعات الإرهابية إما تعرضت لشكل من أشكال التفكك الذاتى أو جرى هزيمة البعض منها، وهى سردية لم تصمد طويلاً أمام هذا التطور الذى نقل الصراع الأمنى إلى مستوى تطلب تدخل الجيش، بل وساهمت فيه القوات الجوية بجهد استطلاع وتعقب وتصوير وقصف جوى لعديد من مناطق «ولاية بورنو». حين تكشف أن تنظيم «ولاية غرب أفريقيا» يعيد تنظيم وتوزيع صفوفه على عدة محاور ذات ارتباط جغرافى بـ«بحيرة تشاد»، قبل أن ينجح فى إقامة تحالفات قبلية مع السكان المدنيين التى تطورت لروابط وثيقة مع عصابات الجريمة المنظمة، حيث تسيطر الأخيرة تاريخياً على مفاصل تلك المنطقة الممتدة بالشمال الشرقى النيجيرى، وتتمدد لتعبر حدود دول الجوار التى تظل النيجر أشهرها وأكثرها تعرضاً لمخاطر هذا النشاط الجديد. وزير الإعلام النيجيرى «لاى محمد» خاطب الرأى العام النيجيرى عام 2020 بأن الدولة نجحت فى هزيمة متمردى «بوكو حرام»، لكنه فى الوقت نفسه لم ينفِ أن تحدى مواجهة «ولاية غرب أفريقيا» الداعشية يمثل تحدياً عالمياً، متعهداً باضطلاع بلاده بمواجهته والقدرة على إلحاق الهزيمة به فى وقت قريب. هذا الوقت لم يأتِ بعد واستعرت الأحداث فى مواجهة مباشرة مع عناصر القوات المسلحة، فى إعلان من قبل التنظيم أن مواجهته مع سلطات الدولة الرسمية لن تكون بأقل شراسة مما كان يجرى بعصر «بوكو حرام». ففى الوقت الذى أعلن فيه الجيش النيجيرى أكثر من مرة أنه قام بقتل «أبوبكر شيكاو» زعيم «بوكو حرام»، تبين منتصف هذا العام أن تنظيم داعش هو الذى قتله فى النهاية، وأن تنظيم «ولاية غرب أفريقيا» هو المسئول عن تصفية «بوكو حرام» من أجل إحكام سيطرته الكاملة على «غابة سامبيسا» الاستراتيجية. وليبدأ التنظيم الجديد فصلاً دامياً بتوقيعه الخاص الذى افتتحه بوضع القوات المسلحة النيجيرية، موضع استهداف رئيسى على النحو الذى ظهر خلال الأشهر الثلاثة الماضية، إلى الحد الذى بدأ فيه يوفر من المعلومات الاستخباراتية التى تحدد القادة الذين يمثلون خطراً عليه، ومن ثمّ يبدأ فى ترجمتها بالجهد العملياتى المباشر كما جرى مع العميد «دزارما زركوشو» مؤخراً. يسود فى نيجيريا اليوم قدر كبير من التشاؤم، فقد جرى انتخاب الرئيس بخارى لأول مرة عام 2015 بسبب عدم قدرة الإدارة السابقة على هزيمة تمرد «بوكو حرام»، وإنهاء حالة السيولة الأمنية فى البلاد. والآن بعد ست سنوات من عمر إدارته شهد النيجيريون المزيد من الهجمات الإرهابية فى الشمال الشرقى وخارجه، فى الوقت الذى يظل العنف المسلح يمثل التحدى الهائل الذى لم يشرق بعد ضوء انفراجه وسط نيران نفقه المظلم.
نشر في صحيفة «الوطن المصرية»